الدكتوره جيهان النمرسى .. المستشار النفسى للمجموعة بقناه دريم 2 جزء من لقاء مصروف الطفل


27‏/06‏/2008

يوميّات أسرة مصرية جداً ج 1الى 5

يوميات أسرة مصرية جداً
الحلقـة الأولى: يـوم جديــد






استيقظت الأم سعاد في إرهاق واضح قبل الشروق بربع ساعة.. جاهدت لتحاول إيقاظ جسدها المجهد واللحاق بصلاة الفجر قبل الشروق مشيت على أطراف أصابعها كي لا توقظ زوجها الذي صلى قبلها.. توضأت وصلت الفجر وجلست لحظات ثم قامت الى المطبخ كي تحضر طعام الغداء كي يكون جاهزا عند عودتها من عملها
حد في الدنيا يصبح يقشر بصل؟ -
تمتمت في سرها ووجهها الوردي المشرب بحمرة يزدادا احمرارا من تقشير البصل.. سارعت لوضع اللحم ليسلق وهي تدعو الله الا يكون الجزار كالعادة ضحك على زوجها وأعطاه لحم عجوز لا ينضج الا بعد 6سنوات
سارعت بضرب الطماطم في الخلاط ومدت يدها لاخراج كيس من البسلة المخلوطة بالجزر الى أعدتها بالأمس وهي تشاهد المسلسل العربي وتغالب النوم
نظرت الى الساعة وجدتها السادسة والربع.. حالا ستبدأ غارة ايقاظ الأولاد للذهاب الى المدرسة
*******
مرت على غرفة ابنها خالد وجدته مستلقي على فراشه بالعرض والغطاء مكوم على الأرض والغرفة في حالة فوضى كأن قنبلة نووية مرت بها وتركت ابنها حي يرزق
اصحي يا خالد يالاّ ح تتأخر عن المدرسة.. مش كل يوم تعذبني على ما تصحى
وأخذت تلتقط الاكواب الملقاة حول جهاز الكومبيوتر والأطباق الملقاء فوق الكتب في سيريالية عجيبة وحاولت بصعوبة استخراج كتبه من بين الانقاض بلا جدوى
اصحى يابني بلاش غلب على الصبح -
رد عليها بصوت نائم متذمر؟: ياماما حرام عليكي انا نايم الساعة 3 سيبيني انام شوية
ردت بصوت غاضب اهتز له جسدها البدين: انت غبت امبارح من المدرسة.. يالاّ علشان تروح ولا عاوز ابوك يعملها لنا حكاية؟ انت ناسي انك في تانية ثانوي؟ ثانوية عامة يابني !!! 5 دقايق والاقيك لبست هدومك
وخرجت من غرفته حاملة كارثة متحركة من الاكواب والاطباق والاوراق وذهبت الى غرفة ابنتها الصغري ملك ذات الثماني سنوات
وكالعادة صراخ وبكاء وادعاء انها مصابة بمغص رهيييييب وان فيل هندي مر على قدمها بالليل ولهذا لا تستطيع الذهاب الى المدرسة
خرجت الام من غرفة ملك وهي تجري على المطبخ بعد ما شمت رائحة شياط البسلة.. وأخذت تهذي بكلمات ساخطة.. على الخلفة واللي بيخلفوها !!.. وانقذت البسلة بأعجوبة ووجدت اللحم.. كالعادة.. مازال أمامه ساعتين كي ينضج بعد ماامتص كل المرق ومازال كجلمود صخر
هنا فاض كيلها وصرخت في كل النائمين: حرام عليكم انا ح ألاقيها من الطبيخ ولا من الشغل ولا من تنضيف البيت ولا من المدارس.. يالاّ كلكم تصحوا في دقيقة واحدة
وكأن هذه الصرخة هي علامة الخطر بالنسبة لخالد وملك فقاموا على الفور من غرفهم.. وكالعادة المعركة اليومية على دخول الحمام التي انتهت بتسرب ملك كالزئبق من فتحة الحمام وتركته يتوعد لها عندما تخرج
*******
أعدت الأم الافطار ودخلت غرفتها كي ترتدي ملابسها على عجل لتلحق بعملها في موعدها.. فالأمر لا يحتمل شخطة من المدير ولا مقلب جديد من احدى الزميلات المخلصات
استيقظ زوجها محمود على حركتها وهي ترتدي ملابسها ودون أن يفتح عينيه كي لا يطير النوم منهم قال لها بصوت متذمر: هو مفيش يوم الواحد يصحى من غير سارينة الانذار دي؟
كادت ترد عليه بعصبية ولكن لم تشأ ان تبدأ يومها بخناقة وجزت على أسنانها وهي تنظر للساعة في استغاثة: صباح الخير يامحمود الولاد ما بيصحوش الا بالطبل البلدي.. يالاّ أحسن ح تتأخر على شغلك انت كمان
دفن رأسه تحت المخدة وهو يقول: لسه ح انام شوية كمان
تمتمت في سرها: هم العيال جايبينه من برة؟.. وضبطت له المنبه ليوقظه بعد ربع ساعة كي لا تقوم غارة عند عودتها انها هي من تركته نائم وانها السبب في تأخيره
اتمت ارتداء ملابسها وخرجت وجدت خالد وملك ارتدوا ملابس المدرسة ويتناولون الافطار.. وامسكت شعر ملك لتمشيطه وهي تأكل فاعترضت وقالت: ياماما كده الأكل ح ينزل في شعري
فقالت لها في تعجب: ياستي اللماضة دي مش باشوفها الا في البيت وفي المدرسة بتسيبي البنات يضربوكي ليه؟
دافعت عن نفسها وقالت: لا ياماما محدش بيضربني ده انا اللي بأموّتهم من الضرب حتى اسألي خالد.. مش كده ياخالد؟
فأجاب على طريقة فؤاد المهندس: آه طبعا.. على يدي
أنهت الأم الصراع المتوقع وقالت لخالد بطريقة آمرة: خالد.. توصّل أختك لحد باب المدرسة وما تسيبش ايديها مفهوم؟
*******
همّت بالخروج ثم عادت لتتأكد انها أغلقت البوتاجاز ولم تترك الحنفية مفتوحة.. ثم مرت على غرفة ابنتها الكبرى سلمى وفتحتها بهدوء ووجدتها نائمة في هدوء تحتضن الوسادة وكأنها تحتضن صورة فارس الاحلام وبجوارها عدة كتب يبدو انها أمضت الليل في قراءتهم وأيقظتها بهدوء فاستيقظت وهي تبتسم لأمها وتقول: لها صباح الخير ياقمر
فأشرق وجه الأم لأول مرة منذ استيقاظها وقالت لابنتها في حنان: صباح النور ياحبيبتي.. بصي.. كمّلي سوا اللحمة واعملي الرز قبل ما اخواتك ييجوا وما تنسيش تنضفي البيت كويس.. يالاّ كمّلي نومك ياحبيبتي
فردت بصوت نصف نائم: حاضر ياماما.. ثم احتضنت وسادتها وأكملت أحلامها
نظرت اليها الأم بحنان وهمست: ربنا يعدلهالك ياسلمى يابنتي يارب




حس حس عم عم المتعة والفائدة


يوميّات أسرة مصرية جداً
الحلقة الثانية: فضفضــة






دق المنبه بجوار سلمى معلنا العاشرة صباحا ومعلنا أيضا انتهاء الحلم الجميل الذي كانت تحلمه.. والذي تحلمه منذ سنوات
مدت يدها لتسكت صوت المنبه المزعج وهي لا تزال مغمضة العينين وكأنها لا تريد ان تترك الحلم ابداً.. ثم قامت الى الحمام لتزيل آثار النوم عنها كي تبدأ رحلة الشقاء اليومي في تنظيف الدمار الشامل الذي يتركه اخوتها خلفهم
دخلت المطبخ لتجد بقية طعام الغداء لم يُعدّ ومدفعية من الاطباق والحلل في انتظارها
اعدت كوبا من الشاي وقطع من البسكويت لافطارها وأعادت فتح النار على اللحم كي تحدث المعجزة وينضج قبل وصول ثورة الجياع
*******
أخذت تحدث نفسها: ياساتر يارب هي حركة طالبان كانت بايتة مع خالد في اوضته؟!.. بجد حرام كل يوم انظفها وأخليها تبرق وهمّ ساعتين زمن ويخليها كإن قطر امبابة عدى من جواها
انا ايه اللي خلاني أسيب الشغل بس؟ مش كان احسن من وجع القلب ده؟ بس احسن ازاي؟ ده انا كنت باخد بالعافية 200 جنيه وباصرف اكتر منهم مواصلات ولبس وخلافه.. ده غير عدد ساعات الشغل اللي ممكن توصل من 9 صباحا لحد 6 مساءا وساعات اكتر لما يكون فيه جرد ولا حاجة.. لما بقيت زي لاجئي الصومال من الطاحونة اللي دايرة فيها ليل ونهار
ده غير المضايقات اللي لازم تتعرض لها اي بنت وخصوصا لو كانت مش مرتبطة.. ياستي خلي البساط احمدي هو فيه حد سامعنا ما تقولي عانس
خلاص ما بقتش أخاف من الكلمة دي من كتر ما حسّتها في عيون الناس.. يعني انا داخلة على 30 سنة دلوقتي.. أصحاب كتير لي اتجوّزوا وولادهم دخلوا المدرسة كمان وبيقولوا لي يا طنط سلمى!! يعني خلاص فاضل لك زلطة وتاخدي استمارة ستة ياجميل
نظرتُ الى المرآة انظر الى ملامحي.. قد لا أكون جميلة بالمعنى المفهوم ولكن ملامحي متناسقة وشعري طويل.. يعني متوسطة الجمال زي الاف البنات وكمان اهلي حالتهم متوسطة
يبقي العريس ح ييجي على ايه ياسمسمة؟ دلوقتي كل واحد بيحسبها بالورقة والقلم هي بنت مين وعندها كام وجميلة قد ايه؟ الا من رحم ربي
يييييه انا تعبت من التفكير في الحدوتة دي.. يعني اللي اتجوزوا خدوا ايه؟
يالاّ بلا جواز لا وجع قلب
*******
أخذتْ تنظف حجرة ملك الصغيرة وهي تضحك على تعليقاتها المكتوبة بين طيات كراسات المدرسة: يارب المدرسة تتهدّ يوم الاتنين اللي جاي!!.. مش فاهمة حاجة خالص في الحساب ولا العربي!!.. الميس دي غلسة أووي
وأنهت تنظيف الحجرة وجلست تستريح قليلا وهي تلملم الوان ملك وأوراقها ووجدت نفسها تلعب بالالوان وترسم وكأنها تنفس عن بخار مكتوم بصدرها لم يجد له طريقا الا على الورق
رسمت بيت كبير على جدرانه قلوب وأشجار بلا حواجز او أسوار.. وبه رجل طويل القامة قوي البنيان حاد النظرات ولكن على شفتيه ابتسامة حنونة.. يمسك بيده ورود ونجوم ومفاتيح لغرف سرية مجهولة.. وخلفه باب صغير نصف مغلق يطل منه رأس طفل جميل وكأنه يختبأ من العالم ويحمل في عيونه جمال الضوء ورقة النسيم
*******
أفاقت من أحلامها على صوت جرس الباب وهو يعلن وصول أول القادمين.. وكان خالد
ايه اللي رجّعك بدري كده؟ -
رد قائلاً: عادي.. هو لازم استنى الحصة الاخيرة والحوارات دي؟ هو نص جنيه للبواب والدنيا تبقى فلّ
فصرخت سلمى: زوّغت يا فالح؟ والله لو بابا عرف ليقطم رقبتك
رد بملل: خلاص بقى خليكي حلوة وبلاش تقوليله وانا ح آكل وانام على طول علشان أسهر أذاكر للصبح
قالت: أمري لله بس استنى شوية على ما أجهّزلك الأكل.. ربنا يرحمني من الغلب ده يارب
رد بتلقائية: ياستي ما احنا بقى لنا ميت سنة بندعي.. كبّري بقى ياسمسمة
تكهربت سلمى من رده الجارح.. وان كانت سمعت مثله كثيرا في مجتمع لا يرحم الأنثى الا لو كان في احدى يديها صك اعتمادها كمخلوق من الدرجة الاولى.. ولكنها لم تبدي ألمها وردت بساطة: خليهم مية وواحد ياسيدي


حس حس عم عم المتعة والفائدة


يوميّات أسرة مصرية جداً
الحلقة الثالثة: عن الدروس الخصوصية وأشياء أخرى






جلست سعاد تتابع المسلسل العربي وفي يدها جوارب خالد ترتقها وكأنها لاتريد ان تجلس بلا عمل.. كانت عيناها مثبتة على التليفزيون وقسمات وجهها تتغير مع تغير المشاهد من ابتسام الى حزن الى مصمصة الشفاة على حال الدنيا.. الى الدعاء على الازواج المفتريين.. فيرمقها زوجها بنظرة مداعبة من تحت الجريدة التي يقرأها فتسارع بالقول: اللي في التمثيلية بس يا أبو خالد
ثم تبحث عن سلمى فلا تجدها بجوارها ثم تجدها في البلكونة وحيدة تطالع المارة فتنادي عليها: تعالي ياسمسمة اتفرجي معانا دي الحلقة النهاردة حلوة اوي
فترد سلمى بلا اهتمام: حلوة ايه بس ياماما ده البطل بقاله خمس حلقات بيطلّع في الروح ولسه ماماتش.. هو انا ناقصة خنقة؟
مصمصت سعاد شفتيها وقالت: انتي كده مالكيش في الطيب نصيب.. ده البطل عامل عمايل وهو بيموت!! طيب تعالي اعمليلنا كوبايتين شاي انا وابوكي
ذهبت سلمى الى المطبخ لعمل الشاي ففوجئت بملك تخرج من غرفتها كالصاروخ وتترك واجبها بالطبع لتقول لها: وانا كمان اعمليلي كوباية شاي ياأبله سلمى احسن دماغي اتقلبت خالص من الواجب وعمايله.. بس سكر كتير الله يكرمك
وقبل ان ترد سلمى سمعت هدير صوت أمها وهي تكاد تأكل ملك بأسنانها: شاي ايه اللي عاوزة تشربيه يامقصوفة الرقبة؟ ادخلي يا هانم كمّلي واجب الحساب قبل ماأقوملك
جريت ملك على غرفتها وهي تبرطم بكلمات غير مفهومة عن السكن على كوكب المريخ
*******
ابتسم الاب من خلف نظارته الطبية وقال لزوجته: ياشيخة حرام عليكي.. كنتي سيبيها تتفرج على التمثيلية شوية
فردت بامتعاض: تمثيلية ايه بس؟ والله انك طيب.. دي طول النهار من ساعة مارجعتْ من المدرسة وهيّ بتلعب على الكومبيوتر بتاع أخوها ولازقة في التليفزيون ورامية الواجب لحد قبل ما تنام بساعة.. ويقعد الهم لي أنا
صمت الاب كعلامة على استسلامه ثم نظر الى ساعته فوجدها تقارب التاسعة فسألها بقلق: هو الواد خالد اتأخر كده ليه؟ ده ما رجعش من الساعة 3 من بعد مااتغدى على طول؟
مصمصت شفاها وردت باشفاق: عيني عليه ياحبيبي مموّت نفسه في الدروس والمذاكرة.. ادعيله يا ابو خالد الله يكرمك
فرد بسخط: والله انتي اللي مدلّعة الواد ده علشان الوحيد.. مش فاهم يعني ايه دروس في كل المواد ليه يعني؟ ح يسقوله العلم في كوباية؟
فردت بدهشة: هو احنا بس اللي كده؟ ما كل الدنيا على ده الحال.. كل الناس بتاخد دروس في كل المواد في الثانوية العامة.. ده فيه كمان اهالي بيدّوا في المادة الواحدة درسين.. استاذ يشرح كويس والثاني بيحل مسائل ويراجع
فأجاب بحنق بالغ: والله العظيم الدلع ده هو اللي ح يضيع الولد ده.. يعني نبيع اللي ورانا وندخل بمرتبنا كله جمعيات علشان البيه مايتعبش نفسه في مادة ولا مادتيين ويذاكرهم لوحده؟.. وعاوزاه يطلع بعد كده راجل؟ اذا كان مش حاسس اصلا قد ايه احنا بنموّت نفسنا ونحرم روحنا من كل حاجة علشان فلوس الدروس الخصوصية بتاعة الباشا.. وياريته حاسس بكده.. لا ده طول الليل عامل نفسه بيذاكر وهو قاعد على الكومبيوتر ما اعرفش بيعمل ايه.. والله حرام النار اللي مكويين بيها دي
زفرت سعاد باستسلام وهي تقول: عندك حق والله.. انا مش عارفة فلوس الجمعيات دي ح تخلص امتى.. ده حتى فلوس الجهاز اللي كنت باشيلها لسلمى كل شهر.. مش عارفة اشيلّها حاجة من فترة.. بس معلش ان شاء الله ييجي بفايدة ويجيب مجموع حلو يفرّحنا
فأجاب بصدق: هو انا يا سعاد ح أستخسر في ابني؟ انا نفسي اشوفه احسن واحد في الدنيا كلها.. بس اللي مزعلني اننا زمان كنا بنشيل هم اهالينا ح يدفعوا مصاريفنا ازاي.. لكن دلوقتي الانانية بقت هي الاساس.. الابن مالوش دعوة اهله يجيبوا له الفلوس منين؟ المهم انه ياخد دروس في كل المواد حتى لو مش محتاجلها.. والمهم انه يجيب لبس عجيب زي اللي أصحابه لابسينه ويجيب احدث السيديهات والشرايط ويخرج ياكل في المطعم الفلاني ويدخل السينما الفلانية مع الشلة والاّ ح يبقي ابوه دقة قديمة ومش عاوزه يبقي زي اصحابه
ردت باستسلام: ح نعمل ايه يا ابو خالد هو زمانهم كده
ثم ضحكت لتلطيف الجو وقالت: انت اللي الظاهر عجّزت علشان كده زعلان من الشباب.. ح ناخد زماننا وزمن غيرنا؟
لانت ملامحه وابتسم: ماشي ياستي.. انا عجّزت بس انتي ما شاء الله عليكي كل سنة بتبقي احلى من اللي قبلها
فاحمرّ وجهها وأرضاها اطراء زوجها لها وقالت بخجل: بس بقي يا ابو خالد سلمى تسمعنا
فوجئت بسلمى ممسكة صينية الشاي وهي تضحك وتقول: انا هنا من الصبح ياجميل.. ولو عاوزاني اروح اجيب مشبك من دمياط وارجع بكرة انا تحت امرك


حس حس عم عم المتعة والفائدة


يوميّات أسرة مصرية جداً
الحلقة الرابعة: القعدة قعدة ستات






رجع خالد مع أصحابه من السينما وهم يدخنون السجائر ويضحكون بصوت عالي ويعلقون على الفيلم الذي شاهدوه.. ودار هذا الحوار
احمد: بصراحة فيلم جامد موت.. ولاّ العربية اللي البطل كان راكبها دي ييجيلها بنص مليون جنيه
خالد: ياعم هي العربية بس؟ شفت الفيلاّ ولاّ الشالية اللي كانوا بيصيّفوا فيه؟ انا مش عارف العالم دي بتجيب الفلوس منين؟
احمد: مش كان الواحد طلع لقى عنده اب متريّش كده بدل الفقر اللي احنا فيه؟
فرد خالد بضيق: انا عارف ايه البخت ده ياعم ده الواحد كل ما يشوف مسلسل ولا فيلم يلاقي الحوارات بتاعة الفيلل والقصور كأن دي بلد تانية مأجّرينها
احمد: لا وييقولولنا ذاكروا وموّتوا نفسكم في الثانوية العامة.. علشان تدخل الجامعة وتقعد تذاكر كمان 4 او 5 سنين وبعدين تقعد جنب والدتك تقشر بصل.. طيب ما نقشره من دلوقتي احسن
فقال خالد بانفعال: والله العظيم كل ما اقول ح أذاكر وابطل تكبير الدماغ ده اقول وأخرتها ايه يعني؟ وايه الفايدة؟ بلا وجع قلب ياعم
احمد: لا وكمان مطلوب منك لما تتخرج انك تتجوز وتفتح بيت ده على اساس انك اصلا ح تكون اشتغلت وبتقبض ألفين جنيه كمان.. يعني ممنوع ولا واحد يتجرأ دلوقتي ويفكر يحب ولا يتجوز.. ويقولّك يا عم حوار الجواز العرفي ده انتشر ليه؟ العالم دي مش حاسة بحاجة ولا بيهرّجوا؟
رد خالد باحباط شديد: خلاص ياعم احمد.. نكدّت علينا.. يالاّ انا مروّح أحسن أبويا زمانه بلغ البوليس!! سلاااااااام
*******
استقبله والده بقلق عاصف وغضب عارم: كنت فين ياباشا؟ كان مفروض ترجع من 3 ساعات وزيادة
استعد خالد لتأليف كذبة جديدة وقال ببراعة: معلش يابابا اصل مدرس الكيمياء اتأخر وبعدين بعد ما جه قسّمنا مجموعتين وانا كنت في التانية وبعدين
أنقذته أمه من براثن أبيه وقالت: خلاص ياحبيبي ربنا يعينك.. اكلك جوة في المطبخ.. كل وادخل نام وح اصحيك الفجر تذاكر شوية
لم يضيع خالد الفرصة واطلق ساقيه للريح وترك امه تواجه البركان وحدها
*******
الأب: والله العظيم ياسعاد الولد ده لو باظ يبقي دلعك فيه هو السبب
فردت باستكانة: هوّ احنا عندنا غيره ياابو خالد؟ ربنا يخليهولك.. ده راجلنا وسندنا من بعد عمر طويل لك يااخويا.. وبعدين ماهو مموّت نفسه في الدروس والسهر اهو.. حيعمل ايه تاني؟
لم يرد.. وتركها ودخل غرفة نومه.. فدخلت وراءه وابتسمت لتلطيف الجو استعدادا لالقاء قنبلة جديدة: ربنا يخليك لينا وتشيل ولاده وولاد سلمى وملك كمان
فرد بحزن وشرود: سلمى
وجدتها الفرصة المناسبة لتطلب طلبها: مالك سهّمت كده ليه؟.. بكرة ان شاء الله تتجوز وييجيلها عدلها وتفرح بولاد ولادها.. بس هي لو تخرج وتشوف الدنيا يمكن العريس ييجي.. انت مش بتشوف البنات عاملين ايه في نفسهم علشان يتجوزوا.. عارف سعاد اللي في العمارة اللي جنبنا؟ حِنّتها بكرة ومامتها عازمانا انا وسلمي وملك.. اصل القعدة كلها ستات وبنات بس.. عارف
قاطعها بغضب: كفاية ياسعاد.. انتي عارفة اني مش باحب ادلل على بنتي علشان تتجوز.. ده رزق ربنا كاتبه باليوم والساعة مش محتاج اننا نلف على الافراح علشان نجيبه
فردت عليه بتوسل: ياسيدي ادينا بنسعى للرزق ده!! وبعدين أهي فرصة البنت تخرج شوية بدل الحبسة اللي هي فيها دي على طول.. علشان خاطري يا محمود ما ترفضش لو صحيح انا غالية عندك
رد باستسلام وهو يستعد للنوم: خلاص انتو أحرار اعملوا اللي تعملوه.. تصبحي على خير
طارت فرحا بموافقته التي انتزعتها منه وذهبت الى غرفة سلمى التي وجدتها تقرأ وقالت لها: سمسمة بابا وافق اننا نروح حِنّة سعاد بكرة
فدق قلب سعاد لعرض امها لأنها تعلم توابعه وردت بقلق: معلش ياماما انتي عارفة اني مش باحب اروح افراح.. روحي انتي وملك
هبط قلب الام في قدميها لرفض ابنتها بعد كل ما فعلته: ليه بس يا حبيبتي؟ اهو نغيّر جو البيت شوية وبعدين القعدة كلها بنات مفيش رجالة مش عاوزة تروحي ليه؟
فعضت سلمى على شفتيها ولم تستطع ان تخبر امها كم تجرح كرامتها ونفسيتها في مثل هذه القعدات الحريمي وردت باستكانة: اصلي ياماما ما اعرفش العروسة اوي وبعدين
فتوسلت امها اليها وهي تعلم سبب رفضها وقالت: علشان خاطري ياسلمي والدة العروسة اتحايلت عليّا.. يرضيكي اكسفها؟ لو ليّا خاطر عندك روحي معايا وبعدين انتي عارفة المفعوصة ملك بتتعبني قد ايه في الخروج.. علشان خاطر ماما ياسمسمة
ردت سلمى باستسلام بعد كل هذا الحصار: خلاص ياماما.. ح اروح معاكي بكرة ان شاء الله


حس حس عم عم المتعة والفائدة




يوميّات أسرة مصرية جداً
الحلقة الخامسة: فـرح جـارتي






قالت سلمى
:
استيقظنا يوم الجمعة وتناولنا الافطار كالمعتاد ونزل ابي وخالد لصلاة الجمعة وظهرت على امي علامات التحضير لحرب البسوس.. تتحرك بسرعة في كل مكان في البيت وتلقي عليّ الاوامر وترتب اشياء عجيبة ولا تكف عن النظر الى الساعة وكأننا على موعد مع الرئيس الامريكي
جلست أراقبها وانا ابتسم من داخلي على طيبة هذه المرأة الرائعة ولا اريد ان اخالفها في شىء.. فهي تظن ان مجرد ذهابي الى حنّة جارتنا سيحل عقدة زواجي ويأتي لي بسيد العرسان
دفعت الى امي بطبق به زبادي وبيض وأشياء أخرى تشبه السبانخ!! وأمرتني ان اضعها على وجهي.. علشان اكون زي القمر!!.. مش فاهمة ازاي؟
حسيت اني لو حطيت الحاجات دي على وشي ح اطفّش العرسان والمعازيم كمان.. لكني لم أغضبها واستعنت بالله وحطيت اليخني على وشي واستنيته لما يستوي

*******
أخذتْ أمي تخرج ملابسي من الدولاب لتختار منها طقم للخروج وأخذتْ تحدث نفسها وهي في حيرة كبيرة: ياربي تلبس ايه؟ تلبس الفستان الاسود؟ ليه هو احنا رايحين عزاء؟ طيب الاخضر؟ لا ده بيخليها زي ما تكون خارجة من القصر العيني!! التايير الابيض؟ بس ده قديم وناس كتير شافوه احسن يقولوا اننا ما بنشتريش لها فساتين جديدة!! خلاص الطقم الكحلي؟ لا بس طرحته بتخليها سمراء!! ايه الغلب ده ياربي؟ امال تروح بالبيجاما؟! يالاّ اهي موضة
واستمرتْ ماما في الكلام مع نفسها حتى رجع بابا وخالد من الصلاة ويبدو عليهم انهم متخانقين كالمعتاد.. وما ان رأي بابا سوق عكاظ المنشور في الصالة حتى صرخ: ايه اللي بتعمليه ده ياسعاد ح تبيعي هدومنا لبتاع الروبابيكيا ولا ايه؟
لم ترد امي.. انما ردت المقروضة ملك وقالت له: لا يابابا دي ماما بتختار لأبلة سلمى ح تلبس ايه في حنة العروسة علشان تبقي حلوة و تجيب العريس من هناك
وتكهرب الجو من كلمة ملك ولكزتْها ماما في صدرها كي تخرس وغضب بابا وصرخ في ماما: ماشاء الله حتى البنت الصغيرة كمان ياست سعاد؟.. ودخل الى غرفته وغلق الباب وراءه بعنف

*******
جريت ماما وراء ملك لتضربها فاحتمت في صدري وهي تصرخ: الحقيني يا ابلة سلمى ماما ح تموّتني
زفرت ماما في انفعال وهي تتوعد لها: والله العظيم لو اتكلمتي في كلام الكبار تاني لأكون قاطمة رقبتك .. وانتي ياست سلمى قومي روحي الكوافير علشان تلحقي ترجعي وما نتأخرش
ففوجئت بالعرض العجيب وقلت لها: كوافير ليه ياماما هو انا ح افك شعري؟ انتي نسيتي اني محجبة؟
فتنهدت في ضيق: لا ياستي ما نسيتش بس القعدة كلها ستات وبنات يعني ممكن تفكي شعرك هناك.. والبنات بتروح عاملة تسريحات عجب.. اللي عاملاه كانيش والله عاملة برج الجزيرة فوق راسها
نفذ صبري وتمسكت بالرفض: انا بقى مش ح اقلع الحجاب هناك ياستي حتى لو كانوا عازمين عيال مش بنات.. هو انا بضاعة ح يتفرجوا عليها؟ بصي ياماما انا اصلا مش عاوزة اروح المشوار ده خالص.. اتفقنا؟
صرخت في غضب: خلاص انشالله مارحتي.. انا الحق عليّا
انحشرت ملك كالمعتاد: طيب اروح انا للكوافير ياماما؟
فصرخت ماما: آدي خلفة البنات.. آآآآآه
*******
أخييييرا ذهبنا الى فرح جارتي.. ووجدتهم معلقين انوار كثيرة تملأ العمارة والشارع وأسفل البيت يوجد دي جي كبير يملأ الجو بأغاني الأفراح والشباب يرقصون حوله.. ولم ألمح العريس لأنه يبدو انه في منزلهم في فرح آخر كي لا يرى العروس قبل الزفاف كما تقتضي الاعراف الدولية
وصعدنا في الدور الرابع متخطّين نشارة الخشب الملونة التي تغطي السلالم والانوار الملونة والأطفال يتقافزوا على السلالم تاركين مولد الفرح لأصحابه
ودخلنا الشقة الواسعة لنجدها تحولت لما يشبه السيرك من الزحام الشديد وكأن كل بنات مصر جايين يباركوا ويهنّوا
وفجأة تحولت أمي الى بطلة مصارعة وأخذتني من يدي واخترقت الصفوف لتجلس بجوار العروس وما يتضمن ذلك من لكزة كوع أو كتف قانوني أو هبوط اضراري على الارض للضحايا
ثم وصلنا أخيرا الى هدفنا المنشود وأزاحت امي فتاتين من جوار العروس لنجلس بجوارها بنجاح ساحق.. وكأن اللي ح يقعد قدام ح يتجوز الاول
ولأول مرة أنظر للعروس وهي في كامل زينتها وجمالها.. واحساسها بالانتصار في معركة الفوز بالعريس المنشود أضاف لها ثقة بالنفس وجمالا فوق جمالها.. كانت تنظر الى الجميع بسعادة بالغة وهي تنقش نقوش الحناء الجميلة فوق يديها وقدميها وكأنها ملكة فرعونية تنتظر تتويجها بعد ساعات
لا أنكر اني تمنيت ان أكون مكانها وخاصة انها تصغرني بعدة سنوات.. دفنتُ امنيتي القديمة في الحب والاستقرار كي لا تظهر على وجهي اي تعبيرات يمكن ان تفسرعلي انها غيرة أو ما شابه
أفقت من أحلامي على لكزة في جنبي من احدي جارتنا المشهورة بدس أنفها في كل شىء وكانت تسألني بابتسامة صفراء: عقبالك ياسلمي..ايه مفيش مشاريع خطوبة في السكة؟
آه ياربي السؤال اللي باهرب منه من ساعة ما خرجت من بيتنا.. ولكني رديت بغلاسة: لأ فيه بس انا مخبية
أحرجتْ من ردي البايخ ولاذتْ بالصمت وجلستُ أراقب معركة الرقص الدائرة بين البنات وكأنها أصبحت من مؤهلات الزواج الجديدة وكأن من ترقص أفضل تتجوز اسرع
بحثت عن ماما لأجدها تتنقل بين المعزومات لتستقر في النهاية بجوار امرأة لم أرها من قبل ومنخرطين في حديث طويل لم أسمع منه شىء
مر الوقت.. وشعرت بالملل والصداع وأشرت الى ماما لننصرف فجاءت اليّ وهي تكاد ترقص من الفرحة وتقول لي ونحن في طريقنا الى البيت: مبروك ياسمسمة جالك عريس

ليست هناك تعليقات: